أسباب فطريات الفم: نظرة شاملة على العوامل المؤدية والعلاجات الممكنة

تُعد فطريات الفم أو ما يُعرف طبيًا باسم داء المُبيّضات الفموي (Oral Candidiasis) من المشكلات الصحية الشائعة التي تصيب الفم والحلق، وتنتج عن فرط نمو نوع من الفطريات يُدعى Candida albicans. هذه الفطريات توجد بشكل طبيعي في الفم والأمعاء والجلد دون التسبب في مشاكل صحية تُذكر، إلا أن اختلال توازن البيئة الميكروبية أو ضعف جهاز المناعة قد يؤدي إلى تكاثرها بصورة غير طبيعية مسببة أعراضًا مزعجة قد تصل إلى مضاعفات خطيرة في بعض الحالات. سنستعرض في هذا المقال الموسع جميع الأسباب والعوامل التي تساهم في ظهور فطريات الفم، كما سنخوض في تفاصيل تأثيراتها، طرق الوقاية منها، والعلاجات المتاحة.

أولًا: ما هي فطريات الفم؟

فطريات الفم هي عدوى فطرية سطحية تصيب الأغشية المخاطية المبطنة لتجويف الفم، وتتمثل في ظهور بقع بيضاء على اللسان أو الخدين من الداخل أو سقف الحلق، وقد يصاحبها احمرار والتهاب وحرقان. تنتمي الفطريات المسؤولة عنها إلى فصيلة Candida، وأكثر أنواعها شيوعًا هو Candida albicans.

غالبًا ما تُصيب هذه الحالة الرضع، وكبار السن، والمصابين بأمراض مزمنة، والذين يعانون من ضعف المناعة. ومع أن الحالة تبدو بسيطة عند كثيرين، إلا أنها قد تكون مؤشرًا على اضطرابات مناعية أعمق، لا سيما إذا كانت مقاومة للعلاج أو متكررة.

ثانيًا: الأسباب الرئيسية لفطريات الفم

1. ضعف جهاز المناعة

أحد أبرز أسباب فطريات الفم هو ضعف الجهاز المناعي، سواء لأسباب طبيعية أو مرضية. في الوضع الطبيعي، يقوم الجهاز المناعي بالحفاظ على التوازن بين الكائنات الدقيقة في الجسم، لكن عند حدوث خلل في هذه الآلية، تتكاثر الفطريات وتسبب العدوى.

أبرز حالات ضعف المناعة:

• مرضى فيروس نقص المناعة البشرية (HIV/AIDS)

• مرضى السرطان الخاضعين للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي

• المصابون بـ الأمراض المزمنة مثل السكري غير المنضبط

• متلقو زراعة الأعضاء الذين يتناولون أدوية مثبطة للمناعة

• الأطفال الرضّع وكبار السن نتيجة عدم اكتمال أو ضعف المناعة الطبيعية

2. استخدام المضادات الحيوية

المضادات الحيوية واسعة الطيف تقضي على البكتيريا المفيدة في الجسم، بما في ذلك تلك التي تحافظ على التوازن الميكروبي في الفم. عند استخدام هذه الأدوية لفترات طويلة، تختل البيئة الفموية، مما يسمح للفطريات بالنمو والتكاثر دون مقاومة.

3. الإصابة بمرض السكري

ارتفاع مستويات السكر في اللعاب يُعد بيئة مثالية لتكاثر فطريات Candida. بالإضافة إلى ذلك، فإن مرضى السكري غالبًا ما يكون لديهم ضعف نسبي في المناعة، مما يزيد من احتمالية الإصابة.

4. استعمال أطقم الأسنان

استخدام أطقم الأسنان، خصوصًا إذا لم تكن مناسبة تمامًا أو لم تُنظف بشكل منتظم، يزيد من خطر الإصابة بفطريات الفم. الفجوات بين الطقم واللثة توفر بيئة رطبة ودافئة تتيح للفطريات النمو.

5. جفاف الفم (Xerostomia)

اللعاب يلعب دورًا مهمًا في تنظيف الفم ومنع نمو الفطريات والبكتيريا. في حالات جفاف الفم الناتجة عن بعض الأدوية أو الحالات الطبية مثل متلازمة شوغرن، تقل كمية اللعاب، مما يزيد خطر الإصابة بالفطريات.

6. التدخين

التدخين يغيّر من التوازن الميكروبي في الفم، كما أنه يسبب تهيج الأغشية المخاطية ويؤثر على تدفق اللعاب. جميع هذه العوامل تُعزز من فرصة نمو الفطريات.

7. سوء التغذية

النقص في بعض العناصر الغذائية الأساسية مثل الحديد، الزنك، وحمض الفوليك، وفيتامين B12، يُضعف الأغشية المخاطية للفم ويؤثر على وظائف الجهاز المناعي، ما يزيد من احتمالية الإصابة بعدوى فطرية.

ثالثًا: العوامل المساعدة والثانوية

الحمل

النساء الحوامل أكثر عرضة لفطريات الفم نتيجة التغيرات الهرمونية التي تؤثر على الجهاز المناعي، وقد تؤدي كذلك إلى جفاف الفم أو تغيّر تركيبة اللعاب.

استخدام الكورتيكوستيرويدات

استعمال البخاخات الكورتيزونية لعلاج الربو أو الأمراض التنفسية الأخرى قد يُسبب تراكم جزيئات الدواء في الفم، خصوصًا إذا لم يُغسل الفم بعد الاستعمال، مما يخلق بيئة خصبة لنمو الفطريات.

القرح أو الجروح الفموية

وجود تقرحات أو جروح في الفم يُسهّل من التصاق الفطريات ونموها، خاصةً في ظل وجود عوامل أخرى مثل ضعف المناعة أو سوء نظافة الفم.

رابعًا: الأعراض المصاحبة لفطريات الفم

• بقع بيضاء على اللسان والخدين

• احمرار أو تهيج في الفم والحلق

• ألم أو شعور بالحرق عند تناول الطعام أو الشراب

• طعم غير طبيعي أو مرارة في الفم

• صعوبة في البلع في الحالات الشديدة

• تشقق زوايا الفم (التهاب زاوي الفم)

• تورم بسيط في الأغشية المخاطية

خامسًا: التشخيص

يعتمد تشخيص فطريات الفم على الفحص السريري في المقام الأول. يقوم الطبيب بملاحظة البقع البيضاء وإمكانية مسحها، وكذلك فحص الأعراض المصاحبة. وفي بعض الحالات قد يُطلب مسحة فموية للفحص المجهري أو الزراعة الفطرية، وخصوصًا إذا لم تستجب الحالة للعلاج الأولي أو كان هناك شك بوجود مرض مناعي أو جهازي.

سادسًا: طرق العلاج المتاحة

يُعالج داء المبيضات الفموي باستخدام مضادات الفطريات الموضعية أو الجهازية، حسب شدة الحالة.

سابعًا: الوقاية من فطريات الفم

• الحفاظ على نظافة الفم والأسنان يوميًا باستخدام فرشاة ناعمة وخيط تنظيف الأسنان

• غسل الفم جيدًا بعد استعمال بخاخات الكورتيزون

• تجنب الاستخدام المطول والعشوائي للمضادات الحيوية

• معالجة الأمراض المزمنة مثل السكري والتحكم فيها بفعالية

• تجنب التدخين أو محاولة الإقلاع عنه

• تعقيم أطقم الأسنان بانتظام وخلعها أثناء النوم

• تناول غذاء متوازن غني بالفيتامينات والمعادن

• الحفاظ على رطوبة الفم وشرب كميات كافية من الماء

ثامنًا: فطريات الفم عند الأطفال

تصيب هذه الحالة الأطفال الرضّع بنسبة كبيرة، وتُعرف شعبيًا باسم “القُلاع الفموي”. تنتج غالبًا عن ضعف المناعة وعدم اكتمال الفلورا الميكروبية الفموية لديهم. تُعد هذه الحالة غالبًا غير خطيرة، ولكنها قد تسبب رفض الرضاعة أو البكاء المستمر بسبب الألم.

عوامل شائعة لدى الأطفال:

• الرضاعة من زجاجات أو حلمات ملوثة

• انتقال الفطريات من الأم عند الولادة

• ضعف مناعة الرضع

• استخدام مضادات حيوية

يُعالج الطفل غالبًا بجل موضعي مضاد للفطريات، ويجب تعقيم جميع أدوات التغذية لمنع العدوى المتكررة.

تاسعًا: المضاعفات المحتملة

على الرغم من أن فطريات الفم حالة بسيطة في معظم الأحيان، إلا أنها قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة لدى الأشخاص ضعيفي المناعة. تشمل هذه المضاعفات:

• امتداد العدوى إلى الحلق والمريء (مبيضات المريء)

• الانتقال إلى مجرى الدم (تجرثم فطري)، وهو نادر ولكن مميت في بعض الحالات

• العدوى المتكررة التي قد تكون مؤشرًا على مرض جهازي غير مكتشف

المصادر والمراجع

1. Calderone, R. A., & Fonzi, W. A. (2001). Virulence factors of Candida albicans. Trends in Microbiology, 9(7), 327-335.

2. Williams, D., & Lewis, M. (2011). Pathogenesis and treatment of oral candidosis. Journal of Oral Microbiology, 3(1), 5771.